الحي اليهودي بدمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
في مدخل حي اليهود ( القشلة ) أو الثكنة التركية وبالمناسبة يترتب علينا أن نزور حانوت الكتاب المقدس المرتبط بالجمعية للتبشير بالمسيحية بين اليهود
,وعندما نعبر في الطريق حانوت جزار,وعند الجزار بعض الرجال يجلسون فوق كراسي صغيرة وينهمكون بما هو أكثر من اللحوم, يوطدون الأواصر بينهم , لنصل بعدها إلى منازل أثرياء اليهود وعندما ندخل بيوت اليهود نصدم للوهلة الأولى ,الهدوء الشامل, و الفخر و العجرفة عند العديد من أصحابها ولكن لطفهم ودماثتهم يغير الوضع , فهم وأجدادهم يعيشون هنا منذ قرون , والحي مستعمرة صغيرة محاطة بالمسلمين المتعصبين من جهة , ومسيحيي الكنائس الشرقية من جهة أخرى , وهؤلاء ينظرون إليهم بوصفهم مشركين ,ويسعون إلى الاستيلاء على ممتلكاتهم ,أزياؤهم كالدمشقيين مع اختلاف قليل , ويتحدثون اللغة العربية , وممكن أن يقال عنهم أنهم سوريون أصليون , وهم يختلفون عن يهود القدس الذين أتوا من أصقاع مختلفة , وبأزياء ولغات متعددة .
نستغرب عند دخول منزل احد الأغنياء من المصرفيين , ونجد أنفسنا في ارض باحة زينت بالحجر والرخام ورتبت بلونين, نافورة ماء كبيرة في المنتصف ,وغرف الاستقبال مرتبة ومزخرفة إلى حد كبير جدرانها وسقوفها وفرشها فخم ورائع تبعا لذوق صاحب المنزل , مع جزيئات أثاث شرقية غربية .
هنالك العديد من الغرف , في الطابق العلوي والسفلي وفي بعض غرف النوم يوجد مفارش فرنسية بـ رفاسات, مع الناموسيات الجميلة ومفارش الأسرّة والوسائد التي تكون أحيانا من الحرير , ولكن لا يوجد ستاند لوضع الغسيل , وإذا زرنا هذا الحي في يوم عيد , أو في يوم سبت , سنجد النساء متألقات بثيابهن وحتى الفتيات الصغيرات , متزينات بفساتين بقبة عالية زينت بالزهور أو الجواهر , كثير منهم يقفن على الأبواب أو يراقبن من النوافذ , ويمارسن النميمة بطريقة غريبة في بلد إسلامي
والفتاة التي لا تنصاع للمشاركة بهذا السلوك تتعرض للسخرية والاستهزاء من أترابها, فهل ليس لديها أموال لتنفقها على الألوان والعطور؟ أم أنها تريد أن تصبح راهبة؟,
ولاحظنا أن كل النساء يرتدين الشعر المستعار منذ يوم زواجهن, ليخفين شعرهن, وحتى لو أن لهن شعورا جميلة وطويلة
أنا أؤمن وعلي قول هذا ,فلا رجل يهودي يشارك في حراثة الأرض , ويبدو أنهم يحتقرون الزراعة.
الرجال الأغنياء جميعهم من الصرافين أو المصرفيين , ومرابين بفوائد عالية , أنهم يخشون كسر السبت بإضاءة مصباح أو إشعال نار أو نتف وردة ,وتصم آذانهم عن كل الكلام المقدّس ضد الربا , ولم نسمع عن أي قرية تعود لليهود , فهم يكتفون بإقراض الفلاحين الفقراء , المكبلين بالضرائب , وبفوائد فاحشة , ومما يؤدي في النهاية لان تؤول القرية كلها في أيديهم لعدم القدرة على السداد .
ومنهم تجار لديهم حوانيت صغيرة , وفي أيديهم رأس المال ويديرون صفقات جيدة . أما الأكثر فقراً فهم يخرجون للتجارة مع القرى , يمشون مسافات طويلة ويحملون أمتعة ثقيلة على ظهورهم ( خرج) الخ.... ويعودون يحملون بعض الخرق أو العظام القديمة , طيرين أو ثلاثة أو سلة بيض , ليبيعوها في المدينة ,وغالبا ما يسيطر عليهم الخوف والرعدة في رحلاتهم , خشية السرقة لسفرهم وحيدين , وبالتأكيد أنهم رائعون وحاذقون لإيجادهم طرقا لاكتساب المال .
العدد الأكبر من النساء اليهوديات ينفقون بحماقة ويعشن بلا هدف وينصرف تفكيرهن إلى الألبسة والمتع والتمتع يحتفظون بالعديد من الخدم ويقضون أكثر أوقاتهم في التدخين في هذا البيت أو ذاك ، أو في زيارة الحدائق لعامة وأماكن التسلية , وتقريبا كل المغنيات في دمشق يهوديات , وينظر إليها على أنها مهنة محترمة , وبعض السيدات يتصفن بالهدوء والتعقل , في إدارة شؤون منازلهم وجميعهم تقريبا يسمحون لأولادهم برخص كثيرة , والكثير من النساء الفقراء والأولاد يكسبون المال من التطريز الأصلي لنوع يسمى ( أغباني ), وصنع الكعك , وهن ماهرات في صنع الكعك ومربيات الفاكهة .
واليهود يعتنون كثيرا بمظاهر احتفالاتهم الدينية . قبل غروب يوم الجمعة , المحلات جميعها مغلقة , والطعام معد , والمصابيح مضاءة , والنار موقدة , وكل الأعمال توضع جانبا حتى غروب الشمس في يوم السبت , والجزء الأكبر من اليوم يقضى في النوم والتجول من بيت لبيت , وممارسة القيل والقال .
يواظب الرجال على تأدية العبادات في الكنيس , وبعض النساء المتزوجات تتنقل بين الأبواب والنوافذ , في محاولة للحصول على منظر ما , هم لا يعرفون شيئا عن العبرية , ولا يترتب عليهم عبادات , وكثير من الرجال الأغنياء لديهم كنيسهم الخاص في بيوتهم , ولكن حتى في الكنيس المنزلي الخاص فغير مسموح للنساء والفتيات بدخوله وقت العبادة , وسيخبرونك بأن الرجال يؤدون العبادات بالنيابة عنهم.
بعض المنازل تطل على الحدائق , التي تحاط بها المدينة , ولاشيء سواها يلفت النظر في هذا القسم , بعض أغنياء اليهود لديهم بيوت ريفية , في القرى المتوضّعة على ضفة بردى , وتبعد نحو أربعة أميال عن دمشق .
مع هؤلاء الناس هنالك أشياء مثيرة للاهتمام وأشياء محزنة.فكل ما حولك أصوات تحمل أسماء الكتاب المقدس : يعقوب , موسى , استير , رفقه أو ربيكا ولكن قليلا ما أخشى , فهم يجهدون للسير على خطى القديسين القدامى وكل مايتقنونه الوثنية وعبادة المال , أنهم دمثون جدا في الاحتفال الخارجي لكل أعيادهم وصيامهم .فقبل أسابيع من احتفالهم بأعظم أعيادهم الفصح , الرجال والنساء مشغولون ومنصرفون بالإعداد , فكل منهم وجب أن يكون له بدلة جديدة , والأكثر غنى من النساء والفتيات يحبون أن يكون لهم ثوب جديد قي كل يوم من أيام العيد السبعة , أفضل أنواع القمح يخبأ لكعك الفصح , والذي يحافظ عليه ويحمى من أي نوع من الدنس , فإذا ما رأته فارة أفسدته ولن يفيد أي نوع من الغسل لهذا الكعك المقدس .وقبل الموعد المحدد للعيد , يطحن ويحمل للنساء لتصنيعه كعكة مدورة بدون خميرة , بسماكة الكعكة السكوتلاندية
تطهر البيوت بعناية من أعلى إلى أسفل, ويشكل لا يترك لأي نوع من الخمائر وجود , والقادرون يشترون قماشا قطنيا جديداً على الأقل غطاء ابيض جديد لتغطية دواوينهم , والأفراد الغائبون يحاولون العودة إلى البيت لقضاء العيد مع والديهم , وهنالك توجه ذهني عند الجميع كبارا وصغارا فقراء وأغنياء للإعدادات قبل شهر تقريبا من موعد الاحتفال ولكن الأفكار عند أكثر المتعلمين والمتدينين اليهود لا ترقى إلى أكثر من الخلاص في مصر , وأخشى أن السواد الأعظم من غير المتعلمين كالنساء والأطفال لا يعرفون إلا قليلا عن قصة العهد القديم , ما لم يتعلموه في مدارس انكليزية
أخيراً عندما يأتي المساء , تتجمع كل عائلة , الأم والبنات غير موجودين , ولا يجتمعون حول طاولة الفصح , كما في الوجبات الأخرى , تقدم على طاولة صغيرة ويتحلّق الأب والأولاد حولها على الأرض أو على أرائك
العائلة يجب أن تكون أربعة أفراد وإذا صادف أن الرجل ليس لديه عدد كثير من الأولاد استدعى خادمه أو جيرانه ممن ليست لديهم أسرة , لمشاركتهم , ويلعب الأب دور الكاهن , فيتلوا هو وأولاده المقطع المعين من العهد القديم أولا بالعبرية وبعدها بالعربية .
الصلاة طويلة وعلى أربعة مراحل ويشرب كأس من النبيذ ,وفي هذه المناسبة التي نحضرها ,يوضع فخذ من لحم الضأن على الطاولة , وهناك تناقض في قانونهم , فقد قدمت لنا , عن حزنهم وأسفهم لعدم قدرتهم على تقديم تضحية الآن , لان هيكلهم دمر بهم . ويستمر العيد لأسبوع, النساء يجلسن بالبيت في بملابسهم الاحتفالية, تدخين وأحاديث استقبال زائرين, الرجال يذهبون من بيت لبيت, متمنين لكل أصدقائهم عيدا سعيدا. ويعتنون بالامتناع عن كل أنواع العمل وبشكل خاص في اليوم الأول والسابع.
عيد العنصرة , في نهاية موسم حصاد القمح , وبشكل عام يسود الهدوء هذا العيد , وعندما دعينا مع بعض أصدقائنا اليهود ,عيد لطيف , وفي البيوت وجدنا البيوت ملأى بالرجال النائمين والحركة مقتصرة على النساء, والرسالة توضح أن الرجال قضوا الليل ساهرين , يقرؤون قسما كبيرا من العهد القديم , وكما هم يعتقدون انه في ذلك اليوم أرسلت التوراة , على جبل سيناء أو وكما تعبر النساء أحيانا أنهم في ذلك اليوم تلقوا دينهم , ونحن ومنذ زمن طويل ننتظر أن نورا سيشع من العهد القديم والمعنى الحقيقي سيهبط إلى عقولهم المظلمة .
يصادف عيد الغفران في الخريف , بعد قطف العنب وخمسة أيام بعد العيد العظيم ليوم الكفارة , في باحة كل بيت ,تنصب خيمة , أو لعدة بيوت ,وهو وقت الابتهاج العظيم ,وكثير من الطرب العاصف , وكل هذه الأعياد التي تابعناها في دمشق , قد فقدت معانيها الدينية العميقة فالرجل يذهب إلى المعبد المقدس في القدس ليقدم الثناء والتضحية لله , ولكنه يقضي الوقت في مسكنه الخاص في السكر والعربدة ولكن ليس أمام الله .
عيد البوريم , أو سكب الكثير , تابعناه وكل الحي اليهودي يعيد صدى هذا اليوم بأصوات إطلاق العيارات النارية من البنادق والمسدسات , وعندما تسأل ما يعني هذا , ويخبروك , ( نحن نطلق النار على هامان ) ,وأيضا الأطفال الصغار يجب أن يأخذوا حصتهم من الابتهاج في قتل العدو في عرفهم , والكثير من إطلاق النار والمفرقعات والألعاب المتفجرة .
الكثير من المدارس لأولاد اليهود , ومؤخرا بدؤوا بإنشاء المدارس الداخلية , ولكن شيئا من هذا لم يقدم لبناتهم , اللواتي سيبقين تحت ظلال الجهل إذا لم يلتحقن بمدارس البروتستانت للروم الكاثوليك , والتي أنشئت منذ عدة سنين , ومن الغريب أن نقول , أن ما يدلى به من الصفات الخاصة للنموذج اليهودي , الشعر الداكن والأنف الطويل المقوس ¸هو غير معروف في دمشق .
الكثير من الفتيات اليهوديات في مدارسنا , جميلات , وأشكالهم متناسبة , والشعر فاتح والعيون زرقاء .
قد حاولنا في بعض الأحيان لاكتشاف ما إذا كان أي آثار القبائل القديمة تزال قائمة بينهم ،ولكنهم قالوا كل ما يستطيعون إخباره لنا أن بعضا من بعض هذه العائلات التي تنتمي إلى اللاويين لازالت تقوم على المهام اللاوية – وفورا يؤخذ المولود البكر إلى احد هؤلاء اللاويين ويضع بين ذراعيه وهو يكتفي بإعادة الطفل إلى والديه بعد استلامه مال الفداء منهم , ويتمتع الحاخامات ويمارسون بعض النفوذ بين الناس , وهم بشكل عام يطاعون عندما يمارسون الضغط بشأن القواعد المتبعة في يوم السبت : فربما يمنعون اليهود من الذهاب إلى القرى للنزهة في ذلك اليوم كما تعودوا أن يفعلوا , ويأمرونهم بالبقاء في حييهم, أو يرفعون احتجاجات ضد الإفراط في التدخين والكحول وهم غالبا محاطين باليهود أنفسهم لحساب التأخير في قدوم المسيح , وبعضهم يصرح بأنه يوشك أن يفقد الإيمان بمعلميهم , الذين يؤكدون انه سيأتي , وقد ثبت أن كلامهم دون جدوى , وبعضهم صرح , بأنهم بدؤوا يعتقدون بعد كل هذا أن المسيح المسيحي هو الحقيقي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق