السبت، 9 يونيو 2012

الحي المسيحي في دمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر







مذكرات مبشرة انكليزية في دمشق في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
الحي المسيحي في دمشق في النصف الثاني من القرن العشرين





عدد المسيحيين في دمشق حوالي 20,000 ، ولكنهم مقسمين إلى طوائف كثيرة ، والحب قليل بين أفراد من مختلف الكنائس : ولكن شيئا واحدا موجود في جميع الدمشقيين ، سواء كانوا من المسيحيين واليهود ، أو المسلمين ، متحدون ، في إعجابهم وفخرهم بمدينتهم ويرون أن لا مدينة أخرى تقارن بها
كما أننا نلاحظ عند كل الدمشقيين , وبشكل خاص عند المسحيين قدر من الدماثة , وفعلا , نقارنهم أحيانا بالأوربيين .


ولديهم عادة إلقاء خطب جميلة لبعضهم , ويتبادلون المجاملات كما يفعل الباريسيون , وهذا صعب على الانكليز أن يتقبلوه فهو غير هين لأجنبي لا وبل لمختلف أبناء البلاد من مناطقهم المختلفة ليتعلموا ألفاظ المجاملات وإجاباتها , ونحن نريد أن نتواصل مع الناس لذا فعلينا أن نبذل الجهود .
في القرى الجبلية تكون حياتهم خارج أبواب بيوتهم , وعندما نعبر الطرقات تستوقفنا امرأة راجية أن تستضيفنا في دارها , ويمكن للمرء أن يتنقل من دار لدار.
في دمشق وكمدينة إسلامية , فالأبواب مغلقة , وحتى نقرع الباب وجب أن يكون لنا شكل من المعرفة مع الأسرة . وعندما نقرع فإن الباب لن يفتح مباشرة , الخادم سينده من هذا ( مين هاد) وربما احد سينظر من ( مندلون) فوق الباب ليرى.

كثير من المسيحيين بيوتهم جميلة ومرتبة , مع بعض وسائل الحياة الأوروبية المريحة , ستائر زجاج النوافذ من الموسلين الأبيض , وصندوق العرس ( البيرو) أو حجرة الملابس التي بدأت تحل محل صندوق العرس, وبعض البيوت بدأت في استعمال الطاولات والكراسي للطعام في بعض المناسبات , وبعض البيوت تناول الطعام على الطاولة بشكل دائم .

الطبخ الأوروبي لا يبدو بأنه سيأخذ طريقه إليهم , فهم يفضلون أطباقهم مع أنها شاقة وعسيرة التحضير وهم يعتبرونها ألذّ مذاقا , مثل ( الكبه ) , أو اللحم الذي يسحق بمدقة قوية لفترة طويلة , وبعدها يمزج مع البرغل (القمح المكسر) والصنوبر واللحم المفروم ومن ثم يمد في وعاء نحاسي كبير , اعد لهذا الغرض , يغطى بالزبدة المحلية (السمن العربي) ويخبز في الفرن , وهذه أكثر أكلاتهم المفضلة . ولا يضارعه إلا (الكوسا) حيث يفرغ نخاع الخضراوات وتملا بالرز واللحم المفروم , وتطبخ باللبن الحامض , وهو الحليب المخثر , وممكن أن تعد بالبندورة بالطريقة ذاتها .
الخضراوات , كالسبانخ , الهليون , القرع , الملوخية والقراصية , وبعض جذور الشوكيات المعينة , نادرا ما تطهى وحدها وإنما تخلط باللحم المفروم .
خروف الربيع شهي , ويطهى بطرق متعددة , يحشى ويشوى في الفرن بشكل بسيط أو يسلق , وأحيانا يطهى باللبن الخاثر المغلي مع البصل والبهارات مع أن هذه الطريقة لا تبدو صحية , لحوم البقر والخنزير لا تؤكل أبدا في دمشق لا عند المسلمين ولا عند المسيحيين , يأكلون لحوم الطيور والدجاج والعصافير , ولكن شريطة أن تذبح بسكين , ولا يسمح بأكل المخنوقات , وخلال الصوم الكبير عند النصارى ممكن للناس أن يأكلوا الضفادع المقلية
الكثيرون من نصارى دمشق , لديهم خادمة أو أكثر , وفي الأعياد , وكما شرح لنا , الحاجة إلى المعونة أكثر ومعظم النساء المسيحيات لديهم انشغال دائم بشؤون المنزل ، وبصورة عامة الأب أو أحد الأبناء يتولى إحضار الاحتياجات المنزلية من الطعام سواء من السوق أومن الشارع أو من الدكاكين والضرورات اليومية هي اللحوم والخضار الطازجة .

وكل ربة منزل جيدة لديها بيت مونه مجهز يلبي معظم احتياجاتها اليومية , الحنطة للخبز ، والزيت للطبخ , والزبيب والتين اليابس , البرغل أو الحنطة المطحونة , الرز والسكر والقهوة , والخ ........

والقمح يخزن بصناديق خشبية عالية تصل إلى السقف وضيقة ولها فتحة في الأسفل تسد بكرة قماشية .وعندما تشعر أم سليم أو أم حبيب , مدبرة المنزل , نقص في احتياجاتها من الطحين , تستخرج كمية من الفتحة السفلى وتقوم بنخله بمنخل لتخليصه من الأحجار والغبار وتكرر هذه العملية بعناية وبشكل شديد المهارة ومن ثم يوضع في سلة , ويغسل بإنزاله بماء الينبوع عدة مرات , وبعدها ينشر على السطح في الشمس لثلاثة أو لأربعة أيام حتى يجف تماما , ليأخذه أحد رجال البيت إلى الطاحونة لطحنه وطبعا يراقب عملية الطحن عن كثب ليلاحظ الفاقد في عملية الطحن .




بصعوبة شديدة أتصور البيت كمكان إقامة جبرية في مدينة عظيمة كدمشق , فلا توجد حدائق جميلة حوله ، ومطبخه صغير غير مريح , فالغسيل يجب أن يتم في المنزل , وتجفيفه على السطح , خضار مختلفة يجب إن تعد للشتاء تجفف على السطح , السجاد والحصر تحتاج للتنفيض والتهوية وأيضا على السطح , وعندما ننشد هواءً منعشاً فالبعض منه موجود على السطح , وعندما نريد أن نمارس بعض التمارين سنجد في السطح ملاذاً لنخرج من الضيق , والشوارع القذرة في الأسفل , وعندما ينشغل الجميع ويعج البيت بالضجيج والصخب وننشد الهدوء , ننسل وحيدين إلى السطح .
في دمشق , دالية العنب تتوضع على زاوية في السطح وترمي بظلالها اللطيفة على المكان , الدرج الذي يقود من ارض الديار إلى السطح حجري , ولكن في القرى الجبلية تكون أدراج السطح خارجية , ومن المألوف أن يصعد الرجل إلى سطح داره ليعلن عن فقدان حمار أو حصان ، أو يرسل مناديا يدور ويعلن في القرية عن الفقدان , علّى أحد ان  يعيده إليه ، وفي القرية قد يصدر مندوب الحكومة أوامره من السطح , فالسطح وسيلة خطاب . وفي فصل الصيف حيث تشتد الحرارة, يغدو السطح مكانا محبباً بعد الغروب , فالنساء والأولاد والصبايا واليافعين يصعدون إلى السطح ليتمتعون بالنسمات اللطيفة , وبعض الأسطح محاط بدرابزين خشبي , وبعضها لا . ولا يخلو الأمر من حوادث مؤسفة كأن يفقد الناس توازنهم أثناء اللعب ليسقطوا إلى الساحة السفلية فيموتون أو يصابون بأذيّات سيئة .

أم حبيب تنتمي إلى أسرة معروفة , واليوم عيد القديس ميخائيل وابنها الأصغر ميخائيل يعد النراجيل للزوار , وهنالك طبق كبير من مربى الخوخ وهو من المباهج التركية . وإلى جانبه مجموعة من الصحون والملاعق والشوكات وكل زائر يخدم نفسه , ويبث أمنياته لميخائيل أن يسعد بفرح ميخائيل لأنّه غير متزوج , وزوارها يترددون عليها طوال اليوم , ويؤسفني القول أنني عندما حاولت اكتشاف ما يعرفون عن القديس ميخائيل أو أي من القديسين في الكتاب المقدس كانت معرفتهم قليلة جدا .
وفوجئت ودهشت أنهم يتهموننا بإهمال واحتقار القديسين وعدم السير على خطاهم وهل المطلوب أن نضيع يوم أو يومين في كل أسبوع للاحتفال على شرفهم.
وبينما نحن في الاحتفال يأتي ساعي البريد , على حمار ابيض صغير ليسلم رسالة . وهذا البائس مع مساعد واحد عليه إيصال الرسائل إلى كل المدينة . وحل السرور الكبير من الرسالة ودهشنا أن الرسالة معنونة باسم طفل يبلغ أشهراً من العمر وهو ابن أخ لميشيل فأوضحت لنا أم حبيب انه الرسالة من ابنها الأكبر الذي سافر في عمل منذ عدة أسابيع ولما كان من المعيب أن يرسل رسالة لزوجته فقد أرسلها باسم ابنه , وكانت الزوجة الصغيرة مبتهجة لمعرفة أخبار زوجها الذي غاب عنها طويلا , فأخيرا وصل إلى القدس وكتب انه سيعود قريباً .
كانت تهز ارجوحة الطفل باعتداد ، الطفل الذي لم يره أباه , كما كانت تخبر الضيوف , وخلال حديثها أنها تذكر زوجها بقولها "سيدي" , هذه الكلمة لاحظنا أنها شائعة الاستعمال في هذه الأيام , في طريق عودتنا إلى البيت كنا نتأمل الكنيسة اليونانية بناء كبير ولا يعتبر تحفة هندسية يفخر بها مع انه رحب وشامخ , القسم السفلي معد للرجال ، والنساء يدخلن خلف حاجز مختف , وفي الشارع لاحظنا أن الرجل وزوجته لا يسيران جنباً إلى جنب بل يسير الرجل أولاً وتتبعه المرأة المحتجبة بمسافة , في دمشق لا يمكن لامرأة أن تجازف بالخروج دون أن تلف نفسها بإزار أو قماش ابيض والذي يغطيها من الرأس إلى أخمص القدمين ووجهها مغطى بمنديل أو محرمة ملونة من الموسلين .
النساء لا يعتقدن انه من الضروري أن يمارسن بعض التمارين في الهواء الطلق كما نفعل نحن في انكلترا , فليس من المستحسن للمرأة أن تكثر الخروج من بيتها . وفي هذا تضييق حاقد هدفه أن تكون المرأة عبده لزوجها , وهذا من الأمور المؤلمة في دمشق .
ألبسة كنة أم حبيب كانت زاهية , وجميع السيدات في دمشق يفضلون الألوان الزاهية , وأثمانها غالية , ربما لإغاظة أزواجهن . ولكن علينا أن نتذكّر أنّ الألوان الزاهية مناسبة لمناخ الشرق , ولكن أن يزينّ عقولهنّ خير لهنّ من تزيين ملابسهن.
النساء المتزوجات , يتزينّ بالورود فوق الشعر بالمناسبات ويبهرننا بكميات المجوهرات التي يعرضنها , ولكن علينا أن نتذكر أنّ الرجال لا يدخرون أموالهم في مصارف بل يحولنها إلى حلي لزوجاتهم , التي لا تستطيع التصرف بها وعندما يتورط الرجل بدين تكون حلي زوجته في يده .
نسبة النساء اللواتي لا تتزوجن في الشرق قليلة جدا , ولكن في المدن الكبيرة ممكن العثور على عدد من النساء العوانس .
وهن يعتمدن على أقاربهن , أو يسعين لكسب معيشتهن ببعض الوسائط، وهناك العديد من النساء الأرامل ولديهم أطفال بحاجة إلى الدعم , لذا وجب على الوالدين تعليم بناتهم بعض أنواع التجارة منذ طفولتهن , فتكون لهنّ عوناّ عند الحاجة , فعدد محدود يجدن وظيفة كمدرسة في مدارس مختلفة كالبروتستانتية , اليونانية , الكاثوليكية , والتي افتتحت للبنات خلال العشرين أو الثلاثين عاما الأخيرة ، ولكن وبالطبع لا نساء موظفات في الخدمة في المحلات , ولا في المكاتب العامة , كما في بريطانيا , فإنّه ليس من السهل على أي امرأة أن تجد أي وظيفة عامة.
والنساء الفقيرات جداً يعملن كخادمات , أو غسالات , واللواتي ليست لديهن إمكانيات متواضعة يعملن بنشر الحرير.
بعض النساء تكون من الذكاء بحيث تعمل في تجديل ( تخريج ) المعاطف الرسمية التي يرتديها "القواصون" أو موظفي الخدمة للقناصل أو المصارف , وهي تصنع من القماش الأحمر أو الأزرق وتغلّف بخيوط ذهبية وتصنع فقط من قبل النساء اللواتي يجدن هذا النوع من العمل .
الأخريات موظفات في صناعة الألبسة العسكرية للجنود , وهناك عدد موظف من قبل الخياطين , الذين يعطونهم أعمالاً يقومون بها في منازلهم لا في محلات , ولعل أفضل الأعمال التجارية التي تدرّ ربحا في الوقت الحاضر بالنسبة للنساء هو الخياطة وهو من الأعمال التي تمسكها النساء المسيحيات , ولديهم الكثير مما يستطيعون تقديمه للسيدات المسلمات واليهوديات الذين نادرا ما يخيطون الألبسة الخاصة بهم .
بعض الفتيات الصغيرات يكسبن بضعة قروش من العمل في تقليم شرائط الكروشيه التي تغطي الأرائك أو بتطريز شانيل الأحذية الرمادية التي تلبس غالبا في الصيف .
الرجال وبطبيعة الحال , موظفون قي أشغال وحرف مختلفة , يذهبون إلى المدينة في الصباح ويعودون إلى منازلهم عند الغروب , بعضهم نساجون وبعضهم حمالون إلى جانب بعض الأطباء والكيميائيين وعدد محدد كتّاب لدى الحريم وهو غالبا ما يفضله المسيحيون ، والبعض محصلي ضرائب . والوظيفة أمان للرجل المستقيم والضرائب شعور مقيت للمزارعين والناس تنوء تحت وطأتها , وتبقى الحكومة فقيرة بسبب نظام التحصيل ، والأموال تتوارى بطريقة غامضة , الآخرون حلاقين ولا يقتصر عملهم على قص الشعر وحلاقة الذقن فعند الحاجة يتعداه إلى الحجامة وقلع الأضراس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق