السبت، 23 مايو 2015

عشاق الشام - الليدي ايزابيل بورتون وحكايا الشام



عشاق الشام - الليدي ايزابيل بورتون وحكايا الشام




إيزابيل بورتون، (بالإنجليزية: Isabel Burton) (مواليد 20 مارس 1831 لندن - الوفاة 22 مارس 1896 لندن)، اسمها الحقيقي هو إيزابيل أروندل، كانت زوجة وأرملة المستكشف والمغامر والكاتب السير البريطاني ريتشارد فرانسيس بروتون.(ويكيبيديا)





دمشق، حلم طفولتي. وأود أن أحذو حذو السيدة مريم ورتلى مونتاجو،والسيدة هستر ستانهوب، والأميرة دي لا تور دي أوفيرني، إنهنّ ثلاثة من النساء الأوروبيات الشهيرات اللواتي عشن باختيارهم الحياة الشرقية الواسعة، ونحوت أن أكون رابعتهم  مع أني سأترك ورائي بيتي وعائلتي، والعديد من العلاقات العزيزة في انكلترا.

 
النسوة اللائي جذبهن سحر الشرق فارتحلن اليه






كان شغلي الشاغل خلال أسابيعي الأولى في دمشق هو العثور على منزل مناسب لنقيم فيه، حيث إن سلفنا في القنصلية كان قد أجر بيته الكبير داخل المدينة ليهودي غني فور تقاعده،
 وعلى أي حال ما كان بيته أو أي بيت داخل أسوار المدينة ليناسبنا، فعلى الرغم من أن بعض هذه البيوت كان بغاية الجمال (قصور رخامية بزخارف بهية مفروشة على الطراز الشرقي) إلا أن شعوراً ما كان يوحي بالسجن في دمشق، فنوافذ البيوت مسدودة بقضبان متشابكة وأبواب المدينة تغلق عند الغروب، وسكن كهذا لا يمكن أن يرضي جموحنا، حيث كنا سنشعر وكأننا محبوسون في قفص.


وهكذا وبعد أيام عدة من البحث وجدنا منزلاً أعلى التلة في ضواحي دمشق يبعد عن المدينة حوالي ربع ساعة على ظهر الخيل، خلف المنزل تماما تمتد رمال الصحراء وفي خلفية المشهد جبل بلون الزعفران يعرف بجبل البابونج [1] "Camomile Mountain"، حيث كان عبق البابونج يفوح على بلدتنا وجميع أرجاء دمشق.
كان منزلنا في ضواحي الصالحية حيث الهواء والضوء والمناظر الجميلة والماء العذب والهدوء وأهم من هذا كله الحرية، ففي غضون خمس دقائق يمكننا امتطاء الخيل إلى الجبال حيث نصبنا خيمتنا.

على الرغم من أن فريدريك ليتون قد سبق له رسم صورة لمنزلنا في الصالحية ومع أني وصفته سابقا حتى بات معروفا جدا، إلا أنني أود أن أصفه مرة أخرى. كان في مواجهة الطريق والبساتين، على أحد جانبيه مسجد وعلى الجانب الآخر حمام (تركي)، محاط من الخلف بالبساتين أيضا. 
على الطرف المقابل من الطريق تقف أشجار المشمش التي يتنوع جمالها بين براعم وأوراق ثم زهور وثمار حيث الخيال يفوق الوصف. وبين بساتين المشمش هذه أقمنا الاسطبل الرئيس الذي يحوي اثني عشر رأسا من الخيل وبجانبه غرفة ملائمة للساسة وخلف الاسطبل بستان آخر صغير يشق فيه النهر طريقا، هذا كل ما يتعلق بالمشهد الخارجي.




فإذا ما انتقلنا لوصف المنزل فإن أول ما يراه الداخل هو فناء الدار (أرض الديار) المقلم بتقليمات عريضة وألوان جريئة من الأحمر والأبيض والأزرق مثله مثل كل بيوت دمشق، وفيه النافورة التي ترشرش الماء ثم محيط الفناء حيث أشجار البرتقال والليمون والياسمين.
 ثم وبصعود درجتين تجد الليوان وهو غرفة تطل من جهة واحدة على الفناء مفروشة بالسجاد والأرائك والتحف الشرقية، لقد كان الليوان هو الغرفة التي أرغب أن آوي اليها في الصيف.وعلى يمين الفناء تقع الغرفة التي نتناول فيها الطعام عندما يكون الجو حاراً جداً في الطابق العلوي
، وجميع ما تبقى من الغرف حول الفناء فكان للمكاتب والخدم. أما الدور العلوي فتتوزع غرفه على طرفي الفناء ويصل بينها مشرقة طويلة وكانت هذه المشرقة مكانا بهيجا للأمسيات اللطيفة، حيث فرشناها بالحصير والأرائك واعتدنا الجلوس فيها وسط الزهور والجنبات لنتطلع إلى دمشق ونتنشق هواء الصحراء خلفنا.

وبالطبع لم يكن هذا المنزل هو مقر القنصلية التي كانت في المدينة قريبا من السراي (مقر الحكومة).


أعتقد أن سحر منزلنا يكمن في البساتين والحدائق المحيطة به ، فقد عملنا تعريشة جميلة في حديقة الزهور والياسمين المقابلة، حيث رفعنا الأغصان المثقلة للكرم (الدالية) والكباد والليمون والبرتقال ودعمناها بإطار بحيث لم يعد ممكنا لأشعة الشمس أن تتخلل كثافة الأوراق، ووضعنا الأرائك تحت هذه العريشة التي تطل على النهر الدافق، فكانت هذه العريشة بالإضافة إلى المشرقة هما المكانان المحببان لنا للتدخين في أمسيات الصيف اللطيفة.



أعتقد أنني يجب أن أتطرق إلى الاسواق ، لأنها تشكل جزء لا يتجزأ من حياة دمشق . وكثيراً منها  كانت جميلةٌ جداً, حيث يتجمع الجميع في متاهة تلك الشوارع التي تزخر بكل ما يمكن للمرء ان يحتاجه . كنت اذهب مع جارتي العربية الى سوق السروجية حيث يمكن للمرء ان يشتري زخارف رائعة للجياد العربية ومرفقات منقوشة بالذهب ، لجام من الحرير القرمزي ممابعطيك القدرة على قيادة الحصان بخيط واحد, أو لجام من الفضة والعاج . 
وهنالك سوق لصانعي الاحذية ولكنه مختلف عن تلك الاسواق في انكلترا الأكشاك رائعة , نعال بلون الليمون ، أحذية حمراء فاقعة وابواط قرمزية بعنق ورباطات مما يتناسب مع البسة البدو , وكان هناك سوق للذهب والفضة , كان هناك سوق الحدادين ، حيث نجد العديد من  الأشياء الجميلة الفولاذية مطعمة بلآليء لاخشاب منتقاة .
وجولة صغيرة على الحدادين الذين يهوون بمطارقهم على سنادينهم .حيث يمكن للمرء ان يلتقط بعض الحلي البربرية والقديمة الجميلة .

كان هناك بازار آخر حيث بائعي العطور وزيت خشب الصندل 
؛ و آخر حيث يمكن للمرء أن يشتري الحرير وأجمل الأشياء التي يمكن تفصيلها لتثير عنفوان الزوج , او ان تشتري ازارا يمكنك من التجول في الاسواق دون ان يعرفك احد هي في معظمها اشياء جميلة صنعت من الذهب , هناك أيضا ديوان، حيث يمكن للمرء ان يشتري السجاد الفارسي وسجاجيد الصلاة لتأثيث المنزل وكان هناك سوق واحد لشراء الحناء لتضميخ الايدي والارجل والاظافر  وأخيرا.. و ليس آخراً، كان هناك سوق الاراجيل ، الذي تعرض فيه النراجيل الجميلة في معظمها ، واجزاؤها الرائعة الزجاج والانبوب والنربيش الطويل , وهي من اجمل مارأيت. وكلما علت رتبتك كلما ترتب عليك المبالغة في تقديم المجاملة لضيوفك
،فقد اوصيت على النراجيل الخاصة بي ان تكون قاتمة بلون الشوكولا وذهبية وطول انبوبها ستة ياردات , وكان لدي عدد من النراجيل لا يقل عن اثنتي عشر نرجيلة بشكل دائم واحدة منها احتفظت بها لتدخيني , ومبسم فضي احمله في جيبي لاستخدامه عندما اقوم بزياراتي ولاتكفي عجالة لاعطاء اسواق دمشق حقها وروعتها ولكن في الختام هناك سوق الحلويات الانيقة التي تقدم مع القهوة والتي لم اتذوق في حياتي كلها كتلك الحلويات التي تصنع في دمشق






[1]لعل المقصود هو جبل قاسيون





 دمشق ..
وأفترض أنّ كل واحد منّا يعرف أنها أكبر مدينة في سورية .. وفي الشكل تبدو كطائرة الأطفال الورقية ولها ذيل طويل جداً ، والذيل الطويل هو الميدان أشدّ أحياء دمشق فقرا , ولكنه غني بالمساجد المجددة والحمامات , والبيوت التي تبدو للوهلة الاولى على قدر من الاضمحلال ولكن عندما عرفنا هذه البيوت جيداً .. رأينا الايوانات الرخامية والغرف المطعمة ,
واسقف الارابيسك , وكل هذا مختبىء خلف الطرقات الموحلة

والمدينة بحد ذاتها تنقسم إلى ثلاثة قطاعات : اليهود في القسم الجنوبي ، والمسلمون في الشمال والغرب ، والمسيحيون في الشرق .. الربع الإسلامي نظيف ، الربع المسيحي وسخ ، الربع اليهودي مجرد قذارة  وعندما أمر على فرسي أحبس أنفاسي بمنديل ،
والقواسون يهرولون كما لو أنّ شياطين تتبعهم .
في كل مكان من دمشق ، وخصوصاً في هذا الربع .. تتكدس المخلفات في الطرقات المتعرجة ، تتحلق الكلاب البرية المتوحشة حول جيف الكلاب . ولكن علينا ألا نحكم على دمشق من الظواهر .
وكل أصحاب البيوت لهم نفس المفاهيم المعتمدة في المداخل (الدهليز) لتجنب النهب في الأوقات العصيبة .
 فتدخل من الباب الرئيسي في دهليز قذر طويل ، ومن ثمّ إلى قاعة ثانية ، وبعدها سيبهرك التحوّل الرائع .ستجد بيتاً نظيفاً ومعطراً .. الليوان ،
والبحرة من الرخام ، والأسماك الذهبية ، أشجار النارنج والياسمين ، الفرش من خشب الأبنوس المطعّم بالذهب وأمهات اللؤلؤ ، والزجاج الملوّن للنوافذ ، وفي الداخل ... الأرضيات من الرخام . الله وحده يعلم أين ينامون . واحدة من السيدات عروس جميلة جداً تزوجت منذ اسبوعين ، وكانت ترتدي الجودلي ، وقد زينت عنقها ورأسها بأحجار كريمة وماسات لا تقل قيمتها عن 2000 جنيه استرليني ، ولكن الأحجار كانت سيئة جداً .


  




 ريتشارد بورتون بالزي البدوي





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق